نداهة الترعة القديمة
القصة: نداهة الترعة القديمة
المحتويات
الفصل الخامس: حكاية الشيخ مرزوق
الفصل الثامن: النهاية أم بداية؟
الزمان:
صيف عام 1958، في إحدى قرى دلتا مصر، حيث لا كهرباء إلا في بيت العمدة، ولا وسيلة نقل سوى الحمير والعجل.
المكان:
قرية "الطويرات"، قرية صغيرة على ضفاف ترعة مهجورة تُعرف بـ"ترعة الغُربان"، يُقال إنها مسكونة بروح نداهة لا ترحم من يقترب ليلًا.
الشخصيات:
حسن عبدالرحيم: شاب في منتصف العشرينات، فلاح بسيط، لكنه مغامر وفضولي.
النداهة (رُقيّة): كائن أسطوري يظهر في هيئة امرأة فاتنة، ذات شعر طويل وصوت ساحر، تسكن الترعة وتُغوي الرجال.
الشيخ مرزوق: عجوز حكيم في الثمانينات، خبير بالخرافات والتعاويذ.
زُهرة: فتاة ريفية جميلة، مخطوبة لحسن، تمثل الحب الحقيقي والأرض.
العمدة سلامة: حاكم القرية، متسلط لكنه خائف من أسطورة النداهة.
الحبكة:
اختفاء شاب من القرية قرب الترعة يُعيد الحديث عن "النداهة"، ويبدأ حسن بالتحقيق مدفوعًا بالفضول، ليقع في شباك الغموض والرعب.
العقدة (ذروة الصراع):
حسن يسمع النداهة تناديه ليلاً، ويبدأ في فقدان توازنه بين الواقع والخيال، ويصبح مهووسًا بصوتها، مما يُهدد حياته وحياة زُهرة.
الحل:
معونة الشيخ مرزوق، وبعض الطقوس القديمة تكشف عن هوية النداهة الحقيقية، وتفتح الباب أمام مواجهة ملحمية بين الإنسان والخرافة.
النهاية:
مفتوحة على الغموض: هل قُتلت النداهة فعلًا أم أن لعنتها لا تزال في المكان؟ وهل ما حدث لحسن كان حقيقيًا أم مجرد هلاوس؟
اقرأ أيضا
نداهة الترعة القديمة
كانت الشمس تميل للمغيب حين دوّى صراخ امرأة في قلب قرية "الطويرات"، تجرّ جلبابها وتركض في الطين، وجهها شاحب، تصيح:
– «يا ناس! يا أهل الخير! ابني حسين ما رجعش من الترعة!»
خرج الرجال من الدكاكين، والنساء من خلف الشبابيك. الجميع يعرف ماذا يعني أن يختفي شاب عند "ترعة الغُربان" بعد المغرب.
قال العمدة سلامة وهو يُخرج مسبحته:
–«خدوكم على مهلكم… مش أول مرة حد يضيع في الترعة، يمكن يكون راح ينام عند خاله في البلد اللي جنبنا!»
لكنهم يعلمون الحقيقة… هناك شيء في تلك الترعة لا يرحم، شيء يُغني في الظلام، ويبتسم بأسنان بيضاء تحت ضوء القمر.
كان حسن عبدالرحيم فلاحًا شابًا، قوي البنية، لا يؤمن بالخرافات، أو هكذا يدّعي. جلس على حافة الساقية قرب الغيط، يتأمل ظلال النخيل تتراقص على الماء. اقترب منه صديقه عمران، وهمس:
– «بيقولوا النداهة خدت حسين، زي ما خدت عم سيد من عشر سنين!»
ضحك حسن بصوت عالٍ:
– «النداهة؟ يا جدعان كفاية هبل! حسين يمكن غرق… أو هرب من قرف أمه!»
لكن عمران لم يضحك.
– «أنا شفتها يا حسن… زمان. وكنت صغير. ست طويلة، شعرها لحد رجليها، صوتها زَيّ الغُنا، تنادي من بعيد: "حسااان… تعااال"»
هزّ حسن رأسه بلا اقتناع، لكن في داخله شيء اهتز. هل كان خائفًا؟ لا. لكنه تلك الليلة، حين نام، سمع صوتًا ناعمًا يدعوه من خارج شباكه.
– «حساااان… تعاااال…»
في الليلة التالية، ومع منتصف الليل، خرج حسن بخفة من بيته. لم يخبر زهرة، خطيبته، ولا والدته، التي كانت تطلب منه أن يبقى في البيت بعد مغيب الشمس.
وصل إلى ضفة "ترعة الغُربان"، حيث الماء راكد والسكون موحش. جلس ينتظر، يحدق في الماء الذي يعكس القمر كمرآة من فضة.
ثم سمعها…
الصوت… لم يكن بشريًا. لم يكن أنثويًا فحسب، بل أثيريًا… كأن رياحًا تغني داخل كهف:
– «حساااااان…»
نظر حوله، فلم ير أحدًا. لكن الصوت اقترب، وظهر ظل امرأة طويلة تمشي على الماء، شعرها ينسدل كموج البحر، ترتدي فستانًا أبيض لا يلامس الأرض.
اقتربت منه حتى كاد يلمسها. همست:
– «تعالَ معايا يا حسن… أنا مستنياك من زمان…»
ولأول مرة في حياته… لم يعرف ماذا يفعل.
استيقظت زهرة في اليوم التالي، ولم تجد حسن. ذهبت إلى أمه، ثم إلى الغيط، ثم إلى العمدة، لكن لا أحد رآه منذ الليل.
وفي السوق، بدأت الهمسات:
– «أهو حسن راح زي حسين… ورا صوت النداهة!»
– «العيال اللي مش بيسمعوا الكلام، لازم يجرالهم كده!»
لكن زهرة لم تكن عادية، كانت تعرف حسن. تعرف قلبه، وتعرف أن بينه وبين "النداهة" شيء بدأ قبل أن يُخلق.
ذهبت إلى الشيخ مرزوق.
الفصل الخامس: حكاية الشيخ مرزوق
كان الشيخ مرزوق عجوزًا يعيش على طرف القرية، يسكن كوخًا تحيطه الطلاسم والنباتات المجففة. جلس أمام موقد فحم، وسمع حكاية زهرة. هزّ رأسه وقال:
– «النداهة دي مش ست… دي روح انتقام. كانت بنت اسمها "رُقيّة"، اتقتلت في الترعة من ميت سنة. شاب وعدها بالجواز وخانها… فرجعت، كل ميت سنة، تدور على اللي خان، وتاخد أرواحهم.»
قالت زهرة:
– «وحسن؟ مش عمل لها حاجة!»
– «يمكن… بس الروح ما بتنساش، والدم ما بيروحش هدر.»
في مكان بين الحلم والواقع، وجد حسن نفسه في عالم رمادي. الأشجار مقلوبة، الترعة سوداء، والهواء بارد. وكانت هناك… رُقيّة.
قالت له وهي تبتسم:
– «تعالى نعيش هنا… هنا مفيش خيانة، ولا كذب، ولا خوف.»
قال:
– «أنا لازم أرجع… زهرة بتستناني.»
فغضبت. تحول وجهها إلى هيئة مسخ، عيونها اتسعت، وفمها خرج منه صراخ يمزق الآذان.
– «زهرة؟ زهرة تموووووت!»
أدرك حسن أنه لن يخرج من هذا المكان وحده.
عاد الشيخ مرزوق مع زهرة إلى ضفة الترعة، حاملًا تميمة قديمة وماء مقروء عليه آيات من القرآن.
وقفا في منتصف الليل، والقرية نائمة.
بدأ الشيخ يقرأ، والريح تعصف، وصرخات تأتي من بين القصب. ظهرت النداهة على صفحة الماء، وجهها غاضب، وصوتها يخترق الأعماق.
– «اخرجوااااا… دا مكاني!»
لكن زهرة صاحت بصوتها:
– «حسااااان! ارجعلي! أنا مستنياك!»
كان صوتها مختلفًا… دافئًا، حقيقيًا. وفجأة، بدأت الأرض تهتز، والماء يغلي، والنداهة تصرخ وهي تختفي تدريجيًا.
وفي لحظة برق، ظهر حسن على ضفة الترعة، مبللًا، مذهولًا… لكنه حي.
الفصل الثامن: النهاية أم بداية؟
عاد حسن إلى بيته، واحتضنته زهرة. مرت الأيام، وعادت الحياة إلى طبيعتها في القرية. لكن الترعة… لم تعد كما كانت.
كلما مر حسن بها، يسمع همسات خافتة تأتي مع نسيم الليل:
– «أنا لسه مستنياك… يا حسااان…»
ولم يُرَ الشيخ مرزوق بعدها.
ما زالت "ترعة الغُربان" تجري، وما زالت القصص تُروى. لكن أهل "الطويرات" يعرفون أن هناك صوتًا في الليل لا يجب الاستماع له… صوتًا ناعمًا، جميلًا، قاتلًا.
.jpeg)
ليست هناك تعليقات