أخر المواضيع

أحاديث من كتاب الموطأ لابن الصلاح (2)



قال الشنقيطي والعجب من ابن الصلاح رحمه الله، كيف يطلع على اتصال جميع أحاديث الموطأ حتى إنه وصل الأربعة التي اعترف ابن عبد البر بعدم الوقوف على طرق اتصالها، ومع هذا لم يزل مقدما للصحيحين عليه في الصحة! مع أن الموطأ هو أصلهما، وقد انتهجا منهجه في سائر صنيعه.

 

الحديث الخامس

5 - وَذَكَرَ فِي التَّمْهِيدِ، بِإِسْنَادِهِ، حَدِيثَ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ مُعَاذٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».


الحديث السادس

6 - قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: آخِرُ مَا أَوْصَانِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ قَالَ: «لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ».


وكأنه أراد بهذا توهين ما في الموطأ في حديث معاذ، من أنه آخر ما أوصاه به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتحصل من هذا حكمه بأن حديث ليلة القدر، وحديث إذا أنشأت بحرية لا يصحان أصلا، لا بلفظهما المذكور، ولا بمعناهما، وأن الحديثين الآخرين لا يصحان باللفظ الوارد في الموطأ، ويصح من معناهما القدر الذي جاء في غيرهما، وهو أصل نسيانه صلى الله عليه وسلم، وأصل توصية معاذ بحسن الخلق.


وقد حدثنا صاحبنا أبو الطاهر إسماعيل بن عبد الله الأنصاري وكان طلابة للحديث جماعة له، قال: أخبرني الشيخ أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن عبد الله الصنهاجي الإسكندري بالإسكندرية، قال: أخبرني الشيخ أبو الحسن علي بن المشرف بن المسلم الأنماطي، إجازة، قال: أخبرني الحافظ أبو زكريا عبد الرحيم بن أحمد البخاري، قال: سمعت الحافظ أبا محمد عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي، يقول: سمعت حمزة بن محمد الكتاني الحافظ، يقول: كل شيء رواه مالك في الموطأ مسندا أو مرسلا، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير جهته، إلا حديثين: أحدهما: إني لأنسى لأسن.


والآخر: إذا أنشأت بحرية.
قلت: هذا يتضمن إن حديث ليلة القدر قد روي أيضا بلفظه أو بمعناه، من غير جهة مالك، وهو كذلك، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.


والقول الفصل عندي في ذلك كله: ما أنا ذاكره، وهو: أن هذه الأحاديث الأربعة لم ترد بهذا اللفظ المذكور في الموطأ، إلا في الموطأ، ولا ورد ما هو في معنى واحد منها بتمامه في غير الموطأ إلا حديث: إذا أنشأت بحرية.
من وجه لا يثبت.


والثلاثة الأخر: واحد، وهو حديث ليلة القدر، ورد بعض معناه من وجه غير صحيح، واثنان منهما، ورد بعض معناهما من وجه جيد أحدهما صحيح وهو حديث النسيان، والآخر حسن وهو حديث وصية معاذ رضي الله عنه.

وبيان ذلك: أما حديث إذا أنشأت بحرية.


الحديث السابع:

7 - فَقَدْ أَنْبَأَنَا الشَّيْخُ الْمُسْنِدُ الْمُعَمَّرُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُعَمَّرِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْوَزِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ طِرَادِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّكِيُّ بْنُ الْهَاشِمِيِّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَاصِمِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَاصِمِيِّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْدَعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: نا عَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ الْحَارِثِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةً، فَتِلْكَ عَيْنٌ.
أَوْ قَالَ: عَامٌ غُدَيْقَةٌ ".


يَعْنِي: مَطَرًا كَثِيرًا.
رواه الثقة ابن أبي الدنيا في كتاب المطر له، وفيه استدراك على الحافظين حمزة بن محمد، وابن عبد البر، وليس إسناده بذاك لمكان محمد بن عمر، والظاهر أنه الواقدي، والله أعلم.


الحديث الثامن:

8 - وَأَمَّا حَدِيثُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَيْنَاهُ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْهُ، قَالَ: أنا مَنْ لا أَتَّهِمُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةً، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ شَامِيَّةً، فَهُوَ أَمْطَرُ لَهَا».


فَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَاهُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبي يَحْيَى وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ فِيهِ تَسَاهُلٌ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ غَيَّرَهُ بِمَا ظَنَّ أَنَّهُ مَعْنَاهُ، وَكَأَنَّهُ تَبِعَ فِي ظَنِّهِ ذَلِكَ رَأْيَ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ صَاحِبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَلِكَ فِيمَا قَرَأْتُهُ عَلَى الشَّيْخَةِ الصَّالِحَةِ أُمِّ الْمُؤَيَّدِ ابْنَةِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُرْجَانِيِّ رَحِمَهَا اللَّهُ وَإِيَّانَا، عَنِ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْفُرَاوِيِّ، وَأَبِي الْقَاسِمِ الْمُسْتَمْلِي، وَأَبِي الْمُظَفَّرِ الْقُشَيْرِيِّ، كُلُّهُمْ عَنِ الْحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ.


ح وَأَخْبَرَنِي بِهِ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ مُؤَيَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِهَا، عَنْ عَشَرَةِ أَشْيَاخٍ، مِنْهُمُ الإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الصَّفَّارِ، كُلُّهُمْ عَنِ الْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيِّ.


ح وَأَخْبَرَنِي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَاعِدٍ الْعَطَّارُ، عَنِ الْفَقِيهِ الْحَافِظِ أَبِي سَعْدٍ الْخَلِيلِيِّ، قَالَ: أنا الْحَافِظُ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ الْحَافِظُ، قَالَ: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالا: سَمِعْنَا أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ، يَقُولُ: إِذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ.


يَزِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَسَّانٍ، وَإِذَا قَالَ: أنا مَنْ لا أَتَّهِمُ.

يُرِيدُ بِهِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يَحْيَى، وَإِذَا قَالَ: بَعْضُ الناس.

يريد به أهل العراق، وإذا قال: بعض أصحابنا.

يريد به أهل الحجاز.

قال البيهقي: وقد قال الشافعي: أنا الثقة، عن معمر.

والمراد به إسماعيل بن علية.

لتسميته إياه في موضع آخر، وذكر البيهقي غير ذلك، في قوله: أنا الثقة، وقال: لا يوقف على مراده به.

إلا بظن غير مقرون بعلم.

قلت: وإسحاق بن عبد الله الذي روى عنه، أحسبه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة.

أخا عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة، المذكور في الإسناد المتقدم، والله أعلم

ليست هناك تعليقات