أحاديث من كتاب الموطأ لابن الصلاح (1)
|
قال الشنقيطي: والعجب من ابن الصلاح رحمه الله، كيف يطلع على اتصال جميع أحاديث الموطأ حتى إنه وصل الأربعة التي اعترف ابن عبد البر بعدم الوقوف على طرق اتصالها، ومع هذا لم يزل مقدما للصحيحين عليه في الصحة! مع أن الموطأ هو أصلهما، وقد انتهجا منهجه في سائر صنيعه. |
|
عناصر الموضوع: |
1- قَالَ: نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنِّي لا أَنْسَى وَلَكِنْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ»
2- وَبِهِ، عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ، قَالَ: نا مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: إِذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةٌ، ثُمَّ تَشَّاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ ".
قوله: نشأت رويناه من غير همزة في أوله، وكذا حكاه الأزهري، وهو الذي ذكره الهروي، وغيرهما في هذا الفعل من نشأت السحابة.
يقال: نشأت السحابة نشئا: إذا ابتدأت وارتفعت.
والرواية الفاشية المشهورة فيه: أنشأت بحرية بالهمزة في أوله.
وقد قيل: إن أهل اللغة على إنكارها، والصواب عندهم نشأت بغير همزة في أوله.
وإنما يقال: أنشأ فلان يفعل كذا ويقول كذا، أو أنشأت السحابة تمطر.
وقطع القاضي أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي فيما وجدناه عنه بأنه بالهمزة
في أوله، هو المنقول بغير خلاف، وأنه قد صححه أهل اللسان، والله أعلم.
قوله: بحرية، أي من ناحية البحر، وناحية البحر بالمدينة هي ناحية المغرب.
وفي إعرابه وجهان: الرفع على أنه فاعل، والنصب على الحال.
وقوله: ثم تشأمت.
هو بالتشديد على الشين، على وزن تفعلت أي أخذت نحو الشام.
وقوله: عين غديقة.
فالعين ها هنا عبارة عن السحاب، وذكر الهروي في العين المذكورة في هذا
الحديث، عن صاحب العين: أن العين من السحاب ما أقبل عن يمين القبلة أي قبلة
العراق، وذلك الصقع يسمى العين أيضا.
وغديقة، ذكرها ابن عبد البر، بضم الغين على التصغير، وكذا هو الأصل في
رواية الزهري الذي فيه السماع على الإمام زاهر بن أحمد، وعنه البحيري، وعنه
السيدي.
وقال القاضي عياض: غديقة بضم الغين على التصغير الذي يراد به التكثير قال: وقد رواه بعضهم غديقة.
قلت: غديقة بفتح الغين، وجدته عن أبي منصور الأزهري في هذا الحديث أن تكون
تصغير قولهم: عين غدقة، بكسر الدال أي كثيرة الماء، فاعلم ذلك كله.
فإن فيه ما يعز، والله أعلم.
3- وَبِالإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ، يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ، فَتَقَالَّهَا، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ".
قوله: فَتَقَالَّهَا،
زِيَادَةٌ وَقَعَتْ فِي رِوَايَتِنَا هَذِهِ دُونَ غَيْرِهَا، وَوَجْهُهَا
عَلَى بُعْدِهَا، أَنَّهُ اسْتَقَلَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَعْمَارِ
أُمَّتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
4- وَبِهِ، عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: آخِرُ مَا أَوْصَانِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَعَلْتُ رِجْلِي فِي الْغَرْزِ، قَالَ: «حَسِّنْ خُلُقَكَ لِلنَّاسِ، مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ».
قوله: عن يحيى بن سعيد، رواه أيضا يحيى بن بكير، وغيره، وإنما فيه عن مالك أنه بلغه: أن معاذ بن جبل.
وقوله: في
الغرز، بغين منقوطة، ثم راء مهملة ساكنة، ثم زاي وهي للجمل مثل الركاب
للبغل، حكاه الأزهري مطلقا، وحكاه الجوهري مخصوصا بأن يكون من جلد، والله
أعلم.
فهذه الأحاديث الأربعة، ذكر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الإمام.
الذي
تفرد في شرح الموطأ، واستثارة علومه، وجمع العلوم بما لم يسبق إليه سابق،
ولم يلحقه فيه لاحق، والحافظ الذي كان الإمام أبو الوليد الباجي، يقول فيه:
لم تخرج الأندلس أعلم بالحديث من أبي عمر بن عبد البر.
قرأت ذلك بخط أبي الوليد ابن الدباغ، عن شيخه الحافظ القاضي أبي علي ابن
سكرة الصدفي، عن شيخه أبي الوليد الباجي رحمهم الله وإيانا: أنها لا ذكر
لها في شيء من كتب العلماء إلا في الموطأ، ولم يروها غير مالك رضي الله عنه
ولا تعرف إلا به، ولا توجد في غير الموطأ لا مسندة، ولا غير مسندة.
ثم إنها عند ابن عبد البر متساوية في أنها لا توجد بهذا اللفظ إلا في
الموطأ، ومنقسمة عنده في مجيء معناها في غير الموطأ، فمنها ما لم يذكر فيه
أنه ورد معناه برواية تصح، وهو الحديثان الآخران.
أما حديث: إذا أنشأت بحرية، فذكر أنه لم يرد بمعناه إلا فيما رواه
الشافعي، عن إبراهيم بن أبي يحيى، قال: وإبراهيم متروك الحديث ولفظه: إذا
أنشأت بحرية ثم استحالت شامية فهو أمطرها ولم يسنده الشافعي أيضا، فهو
منقطع عنده.
وأما حديث معاذ، فقال في كتاب التقصي: معناه صحيح مسند.
ولم يذكره فيه.

ليست هناك تعليقات