كتاب: أكذوبة "الجنس الآمن" (1-2)
كتاب: أكذوبة "الجنس الآمن" (1-2)
محمود ثروت أبو الفضل يوسف
اسم الكتاب: "مجتمع "الكوندوم".. ثقة عمياء وعلم فاسد"- Condom Nation: Blind Faith, Bad Science. الترجمة العربية: مغازلة الانتحار- أكذوبة الجنس الآمن. تأليف: ريتشارد إيه. بانزر. ترجمة: وائل محمود. دار النشر: دار سطور. سنة النشر: 2008. عدد الصفحات: 125 صفحة. |
انحدرت المجتمعات الغربية بصورة عامة، والمجتمع الأمريكي بصفة خاصة، في هوة سحيقة من التفسخ الأخلاقي، والانحلال الجنسي العارم، وفي ظل هذه الفوضى اللاأخلاقية تبرز بعض الأصوات الإيجابية التي تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من حطام الفضيلة "الفيكتورية"[1]، وتصارع في مواجهة تيار الإباحية؛ التي تحاول كسب مزيد من أصوات المراهقين والمراهقات الجدد؛ وذلك عن طريق ترويج بضاعتهم وتجارتهم من خلال مصطلحات وهمية كاذبة من أمثلة "الجنس الآمن عن طريق الواقي الذكري".
عرض كتاب: "محمد حسين هيكل" أوروبا والشرق من منظور واحد من الليبراليين المصريين (1-2)
يحاول الدكتور ريتشار بانزر في كتابه "مغازلة الانتحار"[2] في المدارس بين المراهقين للحد من معدلات الإصابة بالأمراض التناسلية جراء الممارسات الجنسية المتفشية، يقول "بانزر" في مقدمة كتابه مدللًا على التجارة بأخلاقيات المراهقين من خلال قطعة من المطاط ومصطلح من كلمتين خادعتين، ومتباينتين كل التباين: "يقال إن شخصية الإنسان الحقيقية تظهر فقط في مواجهة الأزمات، فماذا عن شخصية ثقافة مجتمع بأكمله؟ إنه لحقيقة بديهية أن من يمتلك أدوات اللغة يستطيع التحكم في مسار التفكير؛ بهذا المنطق؛ فإن من اخترع مصطلح "الجنس الآمن" أو بدائله "الجنس الأكثر أمنًا " أو "الجنس المحمي" لم يكن مجرد مدير تسويق عبقري بل إنه استطاع إعادة هيكلة ثقافة المجتمع بأثره وفق رؤيته الشخصية، فالجمع بين كلمة "آمن" كلفظ واضح يدعو بثقة إلى عودة الطمأنينة، وكلمة "جنس" بما تمثله من عشرات المعاني الضمنية والتعقيدات وما تحمله من انعكاسات للمآسي، بكل ذلك يأتينا المصطلح الجديد "الجنس الآمن" ليقودنا إلى التصديق بأن جميع مشكلاتنا قد حُلَّت بالفعل، فبهذا التضمين البلاغي الرائع بين كلمتين تم إعادة الطمأنينة إلي عقولنا جميعًا، تأملها وأنت تتنفسها ببطء: "جنس..آمن"!"؛ صـ4. بيان أكذوبة مشروع "الجنس الآمن" الذي تعتمد عليه الحكومة الأمريكية في سبيل مكافحة مرض الإيدز، حيث بدأت في تعميم التعليم الجنسي "الشمولي"
يشمل الكتاب عشرين فصلًا مقسمة على جزئين رئيسين: الجزء الأول بعنوان: الاصطدام بمجتمع الكوندوم، ويبرز فيه الكاتب أمثلة - مما عاصره من خلال عمله في مجال التوعية التربوية ضد مرض الإيدز- لعملية تسييس التوجه القومي الأمريكي لمكافحة الإيدز، وعملية توجيهه بواسطة التيارات الليبرالية المنحلة نحو الفوضى الجنسية، وذلك لخدمة مصالح خاصة لأشخاص يتحكمون في كم هائل من الاعتمادات المالية الحكومية والخاصة التي توفرها الحكومة لهذه البرامج التربوية الخادعة، أما الجزء الثاني فيحمل عنوان "معارك فكرية في مجتمع الكوندوم" ويحلل فيه الكاتب النظريات التربوية المختلفة والتوجهات الفكرية التي تعمل على مكافحة مرض "الإيدز"، والتي يتم استثمارها في الولايات المتحدة الأمريكية، والفرضيات الفلسفية التي تتعلق بجزئيات كل منها، وما سجلته من نتائج سواء كانت نجاحات أو إخفاقات في هذه المهمة.
التدريب في مجتمع "الكوندوم":
يعرض "بانزر" لتجربته التدريبية في أحد المؤتمرات التي نظمتها وزارة الصحة لمختصي مكافحة مرض الإيدز بولاية "نيوجيرسي"، وكان المؤتمر بعنوان: "النشاط الجنسي للمراهقين والوقاية من فيروس الإيدز"، حيث تعجب "بانزر" من تسليمهم مقالين في بداية جلسات المؤتمر قام بإعدادهما المجلس الأمريكي للتعليم والمعلومات الجنسية (سيكاس) جاء في المقال الأول ضرورة "تجاوز استراتيجية تحذير الطلاب من "خطورة" الممارسات الجنسية، إلى تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية والممتعة للجنس"؛ صـ8.. ويتعجب بانزر قائلًا: "لم يخطر ببالي أن المراهقين يحتاجون إلى من يلفت نظرهم إلى حقيقة أن الجنس ممتع! فمن الواضح أن كثيرًا منهم قد اكتشفوا ذلك بالفعل، ولم يكن من الواضح في التقرير علاقة ذلك بالحماية من الإيدز على أية حال!!"؛ صـ8.
بينما المقال الثاني وكان بعنوان "عشرة نصائح للمدرسين" يطلب كاتبه من المعلمين "تطوير قدرتهم الشخصية والمهنية، بتنفيذ ورشة عمل شخصية مستقلة وذلك عن طريق حضور عرض جنسي فاضح أو فيلم بورنوجرافي، أو قضاء ساعة أو ساعتين في أحد شوارع نيويورك الحمراء، أو شراء اثنين أو ثلاثة من مجلات البورنو وقرائتهم!"؛ صـ9، وجاءت بقية جلسات المؤتمر لتؤكد على ضرورة التواصل مع المراهقين في المدارس حول "الجنس الآمن" وذلك عن طريقة معرفة استخدام "الكوندوم" وتدريبهم على معرقة طريقة تثبيت "الكوندوم" على الأصابع أو على مجسم يمثل العضو الذكري مثل أصبع موز مثلًا، "وعلقت إحدى المتدربات في حلقة المناقشة أنهم قد تم تدريبهم في آخر المؤتمرات التي حضرتها على وضع "الكوندوم" أولاً داخل الفم ثم تثبيته على شيء ما، يضحك الجميع موافقين على أن هذه الطريقة جيدة لكي يشعر الطلاب بالارتياح والألفة نحو "الكوندوم"، هنا يعلق شخص آخر من الحاضرين بأن النساء البغايا على درجة عالية من البراعة في استخدام هذا التكنيك، يحرك كثير من الحاضرين رؤوسهم في إيجاب حول براعة البغايا"؛ صـ9.
يعلق بانزر على التوصيات التي خرج بها في نهاية هذا المؤتمر قائلًا: "الآن أصبحت مهمتنا فقط مساعدة العامة من غير المستنيرين على تحقيق نفس القدر من براعة المومسات..!"؛ صـ10.
المدافعين عن الثورة الجنسية الجديدة:
يتحدث "بانزر" عن آراء بعض المؤيدين لمفهوم "التعددية الجنسية"، والمتحمسين لفكرة تعليم "الجنس الشمولي" في المدارس، والذين يتقلدون بالفعل مناصب هامة في البرامج التدريبية الحكومية الخاصة بالتعليم الجنسي ومكافحة مرض الإيدز، ويبين أن آراءهم تمثل توجه عام حكومي ممول، ومن أبرز هؤلاء المؤيدين "إيرا ريس" وهو دكتور يدرس علم الاجتماع بجامعة "منيسوتا" منذ قرابة 30 عامًا، ومن أهم مؤلفاته كتاب بعنوان "نهاية العار: نحو هيكلة ثورتنا الجنسية الجديدة" يروج الكتاب لاستخدام وسائل منع الحمل، وتوفير معلومات عن الإجهاض وعن التوجهات الجنسية التي تعتمد على تعدد شركاء الفراش؛ الهادفة بشكل رئيسي إلى المتعة؛ قياسًا على أنماط منتشرة في السويد وبعض البلاد الأوروبية، وبالنسبة لريس فإن التخوف من العلاقات الجنسية العابرة والتي قد تؤدي للإصابة بمرض الإيدز أمر غير منطقي، يقول ريس: "هذه وجهة نظر شائعة بل وربما تبدو منطقية في البداية، في النهاية إذا كان من تمارس معه الجنس قد مارس الجنس مع شخص مصاب بالفيروس أو أي مرض جنسي آخر، فان ذلك يجعلك عرضة للإصابة.. أصحيح؟! لا؛ بل هذا خطأ، إنه مجرد قلق وافتقاد للمنطقية، إنه مجرد خرافة جنسية سهلة التصديق لمجرد أنها تهاجم التوجهات الجنسية التعددية الهادفة للمتعة المجردة والتي لدينا هواجس رجعية نحوها"؛ صـ15.
أما بشأن التعليم الجنسي للمراهقين في المدارس، فيرى ريس أنه لابد من تعميمه في المجتمع منذ المراحل الأولى للتعليم في المدارس، بل وللأطفال كذلك، حيث يقول: "إن الطريق الوحيد للخروج من المأزق الجنسي هو رفض التقاليد القمعية المطبقة على التعليم الجنسي للأطفال، وأن نقبل أهمية تفاعل أطفالنا مع الميول الجنسية منذ الولادة"؛ صـ17، أما بشأن العلاقات الشاذة فيشجعها ريس وذلك بالاعتماد على نظرية "الجنس الآمن" عبر الواقي؛ حيث يقول: "استطاع معظم الشواذ أن يتغيروا، باستخدام الكوندوم للاتصال الجنسي الشرجي، وبتقليل عدد الشركاء الذين يمارسون معهم الجنس، لم يتجاوب الشواذ ببرامج الوقاية من خطر الإيدز مثل الترويج إلى العفة أو أحادية الشريك الجنسي، بالطبع هذا التوجه للشواذ هو التوجه الواقعي الذي ينبغي أن يسلكه الطبيعيون"؛ صـ18.
يرى "بانزر" أن أفكار ريس في الواقع تناقضها أرقام الإحصائيات، فمعدل فشل الكوندوم لمنع الحمل بين المراهقين وصل إلى 18,4%، ورغم توفر المعلومات عن "الكوندوم" وطريقة استعماله؛ فإن سبعة عشر طالبًا من بين خمسة وثلاثين طالب في جامعة ميامي لم يحاولوا حتى أن يستخدموا الكوندوم في علاقاتهم الجنسية، "كذلك فان الدراسات تؤكد على الارتباط الوثيق بين تعاطي المخدرات وبين ممارسة الجنس لدى المراهقين، النشرة الرسمية لطب الأطفال أشارت إلى أن المراهقين النشطين جنسيًا (الذين يمارسون الجنس) هم أكثر احتمالية بستة مرات لتعطي الكحول، أكثر احتمالية بخمسة مرات للتدخين، أكثر احتمالية بسبعة مرات لتعطي الماريجوانا من غيرهم من المراهقين الملتزمين بالعفة، أي أن النشاط الجنسي يرتبط بسلوكيات أخرى للتدمير الذاتي لدى المراهقين، مما يدعونا إلى تقديم مساعدة حقيقية للمراهقين على مواجهة المصاعب والمشكلات التي يواجهونها بدلًا من تضميد جراحهم النفسية بقطعة من المطاط!".
[1] نسبة إلى الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا وإيرلندا (1937-1901)، وإمبراطورة الهند، والتي أحاطت نفسها بالعديد من مظاهر التقاليد الصارمة بعد وفاة زوجها "ألبير" ويقال أنها بعد موته قد ارتدت حزام العفة - شكلًا - حزنًا على وفاته.
[2] مصطلح يطلق على الجنس السطحي أو ما يعرف بمقدمات الجنس؛ دون الاتصال الجنسي الفعلي، وهو أحد البرامج التي اتبعتها هيئات مكافحة مرض الإيدز في أمريكا وقامت بتعميمها في مناهج التعليم منذ بداية التسعينيات تقريبًا.
ليست هناك تعليقات