توحيد الله بأسمائه وصفاته
لايستقيم توحيد الربوبية، ولا توحيد الألوهية إلا بالإقرار بالصفات، لكن الكفار أعقل ممن أنكر الصفات[1]، وقد قرأت في كتب أهل العلم من السلف وأتباعهم من الخلف الإجماع على وجوب الإيمان بصفات الله تعالى، وتلقيها بالقبول، وأن من جحد شيئاً منها أو تأول شيئاً من النصوص قد افترى على الله وخالف إجماع أهل العلم[2].
ومذهب أهل السلف أنهم لايتكلمون في هذا النوع إلا بما يتكلم الله به ورسوله، فما أثبته الله لنفسه أو أثبته رسوله أثبتوه مثل: الفوقية والاستواء والكلام والمجيء وغير ذلك.
اقرأ أيضا: نزول القرآن الكريم منجما
وما نفاه الله عن نفسه ونفاه عنه رسوله نفوه مثل المثل والند والسمي وغير ذلك[3]، وأما مالا يوجد عن الله ورسوله إثباته ولا نفيه مثل الجوهر والجسم والعرض والجهة وغير ذلك فلا يثبتونه ولا ينفونه، فمن نفاه فهو عند أحمد والسلف مبتدع، ومن أثبته فهو عندهم مبتدع، والواجب عندهم السكوت عن هذا النوع اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه[4].
اقرأ أيضا: من مشاهد القيامة (الحشـــــر وأهوالــــــه)
وأعتقد بما وصف الله به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير[5]، وهو الله العلي العظيم القادر، الأول والآخر والباطن والظاهر، عالم الغيب والشهادة المطلع على السرائر والضمائر، خلق فقدر، ودبر فيسر، فكل عبد إلى ماقدر عليه وقضاه صائر[6]، أحاط بكل شيء علماً وهو على كل شيء شهيد[7]، فلا أنفي عنه ماوصف به نفسه، ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه لأنه تعالى لاسميّ له، ولا كفؤ له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً، فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل: وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل فقال: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182] [8]، فنقول بإثبات الصفات خلافاً للمعطلة والأشعرية[9]. ومعلوم أن التعطيل ضد التجسيم، وأهل هذا أعداء لأهل هذا والحق وسط بينهما[10].
اقرأ أيضا: حب الصحابة من الإيمان
وقد جاء القرآن الكريم:
بإثبات صفة الوجه[11] وبالتصريح بذكر اليدين، وأن السماوات في اليد اليمنى والأرضين في الأخرى: وتسميتها الشمال[12] وبإثبات صفة المكر لله، وهو أنه إذا عصاه أو أغضبه أنعم عليه بأشياء يظن بأنها من رضاه عليه[13]، وبالتصريح بأن الله فوق العرش[14] وبغيرها من الصفات.
ومن جحد شيئاً من الأسماء والصفات فقد عدم الإيمان، وأما معنى قول السلف "أمروها كما جاءت": أي لاتتعرضوا لها بتفسير لاعلم لكم به[15].
[1] ج3 (الفتاوى والمسائل) /42.
[2] ج5 (الرسائل الشخصية) /263.
[3]ج5 (الرسائل الشخصية) 130- 131
[4]ج5 (الرسائل الشخصية)131.
[5]ج5 (الرسائل الشخصية) / 8.
[6] ج1 (الخطب المنبرية) / 6، 7.
[7] المصدر السابق /19.
[8]ج5 (الرسائل الشخصية) / 8.
[9] ج1 (التوحيد) / 14، 50.
[10]ج5 (الرسائل الشخصية) /134، والمقصود بالتجسيم هنا التمثيل وعبرالشيخ رحمه الله هنا بالتجسيم باعتبار اصطلاح الأشاعرة - أفاده الدكتور صالح العبود جزاه الله خيراً.
[11]ج1 (التوحيد) /129.
[12]ج1 (التوحيد) / 150، صحح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله "المقسطون يوم القيامة على منابر من نور من يمين الرحمن وكلتا يديه يمين" رواه مسلم في صحيحه من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه. وأما الرواية التي فيها "يطوي الله السماوات يوم القيامة بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك اين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضيم ثم يأخذهن" قال ابن العلاء - هو محمد بن العلاء أحد رواة الحديث - بيده الأخرى وجاء في رواية بشماله" بدل يده الأخرى وفي سنديهما عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف وقد تفرد "بذكر الشمال فيه عمر قال البيهقي في الأسماء والصفات (ص 324) وأقره الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 013/ 396) والله أعلم. ع.
[13] ج3 (الفتاوى والمسائل) /54.
[14] ج1 (التوحيد) /151.
[15] ج1 (التوحيد) / 106 و 3 (الفتاوى والمسائل) / 44.

ليست هناك تعليقات