وصية الشيخ أبي عبد الرحمن السلمي (2)
المؤلف: محمد بن موسى السلمي
تعلم كَيفَ تعامل الْكَبِير وَالصَّغِير:
وَلَا تهتك عَن مُسلم سترا فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من ستر عَورَة أَخِيه الْمُسلم ستر الله عَوْرَته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) وقابل القطيعة بالصلة والإساءة بِالْإِحْسَانِ وَالظُّلم بِالصبرِ والغفران فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (صل من قَطعك واعف عَمَّن ظلمك وَأحسن إِلَى من أَسَاءَ إِلَيْك)
واجتنب الْحَسَد فِي أُمُور الدُّنْيَا فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا تَحَاسَدُوا) وَعظم الأكابر وَارْحَمْ الأصاغر لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَيْسَ منا من لم يرحم صَغِيرنَا وَلم يوقر كَبِيرنَا).
الزم الْحيَاء
والزم الْحيَاء فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (الْحيَاء من الْإِيمَان) وَقَالَ (الْحيَاء خير كُله) وتواضع للْفُقَرَاء وَلنْ لَهُم وارفق بهم فَإِن الله تَعَالَى عَاتب فيهم نبيه عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه ﴾
وتكبر على الْأَغْنِيَاء فَإِن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ التكبر على الْأَغْنِيَاء يُوصل الْحُقُوق إِلَى أَرْبَابهَا ومستحقيها أَو غَنِيا يكون مستغنيا بربه لَا شَيْء من عرُوض الدُّنْيَا فَإِنَّهُ روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (الْغَنِيّ الشاكر لَهُ مثل أجر الْفَقِير الصابر).
وشاور أمورك الَّذين يَخْشونَ رَبهم بِالْغَيْبِ وَمن يتق الله بِدِينِهِ وأمانته فَإِن الله تَعَالَى قَالَ لنَبيه عَلَيْهِ السَّلَام ﴿ وشاورهم فِي الْأَمر ﴾.
وَإِذا صَحَّ عزمك بعد المشورة فتوكل على الله وَحده واقطع شركك عَن الْخلق فَإِن الله تَعَالَى يَقُول ﴿ فَإِذا عزمت فتوكل على الله ﴾.
والتوكل هُوَ أَن تكل أمورك بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وترضى بِحسن اخْتِيَاره لَك وليكفيك تَدْبيره فِيك.
عَلَيْك بالرفق
وتودد إِلَى إخوانك وَأَصْحَابك بالاصطناع إِلَيْهِم والرفق بهم فَإِنَّهُ روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (اصْنَع الْمَعْرُوف إِلَى من هُوَ أَهله وَإِلَى من لَيْسَ هُوَ أَهله فان لم يكن أَهله كنت أَهله) وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (مَا دخل الرِّفْق فِي شَيْء إِلَّا زانه وَلَا دخل الْخرق فِي شَيْء إِلَّا شانه).
وعود لسَانك الصدْق والنطق بِالْخَيرِ وَالْقَوْل بِهِ فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (وَهل يكب النَّاس على مناخرهم فِي النَّار إِلَّا حصائد ألسنتهم).
وَأخذ أَبُو بكر الصّديق رضى الله عَنهُ بِلِسَان نَفسه ينصحه وَجعل يَقُول هَذَا الَّذِي أوردني الْمَوَارِد
أنصف الْخلق من نَفسك
وصن نَفسك وسمعك عَن الِاسْتِمَاع إِلَى الْكَذِب والغيبة والبهتان والفضول فَإِن الله تَعَالَى يَقُول ﴿ إِن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولا ﴾ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام (المستمع شريك الْقَائِل) وانصف الْخلق من نَفسك وَلَا تطالبهم بالإنصاف فَإِنَّهُ روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (أشرف الْأَعْمَال ذكر الله عز وَجل وإنصاف الْخلق من نَفسك)
وأدمن التَّوْبَة فِي كل وَقت مَعَ نَفسك فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِنِّي لأتوب إِلَى الله فِي الْيَوْم مائَة مرّة)
عَلَيْك بِذكر الله
واجتنب أكل الْحَرَام والشبهات وَطَعَام الْفُسَّاق وَالْقعُود على موائدهم خُصُوصا مَال السُّلْطَان وعماله فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (كل لحم نبت من السُّحت فَالنَّار أولى بِهِ) وَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْإِجَابَة إِلَى طَعَام الْفَاسِقين
وراقب الله تَعَالَى فِي خلواتك وأفعالك وأحوالك فَإِن الله تَعَالَى يَقُول ﴿ إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبا ﴾ وداوم على ذكر الله فَإنَّك تستجلب بذكرك لَهُ قَالَ الله تَعَالَى ﴿ فاذكروني أذكركم ﴾ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول الله تَعَالَى من شغله ذكرى عَن مَسْأَلَتي أَعْطيته أفضل مَا أعطي السَّائِلين.
النصح لكل مُسلم
واقلل الضحك فَإِنَّهُ روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (كَثْرَة الضحك تميت الْقلب) وَقرب أَجلك وَبعد أملك فَإِنَّهُ عون لَك على الْخيرَات وَحكي عَن الْجُنَيْد أَنه قَالَ من كَانَ فِي طرفِي فَهُوَ فان وَالله تَعَالَى يَقُول ﴿ ذرهم يَأْكُلُوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ﴾ الْآيَة وَالنَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام رسم خطين وَقَالَ (هَذَا ابْن آدم وَهَذَا أَجله وَثمّ أَجله).
وَأكْثر نصيحة الْخلق فَإِن جرير بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَايَعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النصح لكل مُسلم وَاعْلَم أَنَّك لَا تصل إِلَى شَيْء مِمَّا ذكرته لَك إِلَّا بِتَوْفِيق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
خَاتِمَة وَصِيَّة الشَّيْخ عَلَيْهِ رَحْمَة الله
وداوم المجاهدة وَأكل الْحَلَال وغض الْبَصَر عَن الْحَرَام والشبهات وَحفظ اللِّسَان عَن الْخَنَا ومراقبة الْقلب ومراعاة السِّرّ والشفقة على الْخلق والنصيحة لَهُم وَكَثْرَة الالتجاء والتضرع إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن يرزقك هَذِه المقامات واتهام النَّفس وَسُوء الظَّن بهَا وَحسن الظَّن بالخلق والتحبب إِلَى أَوْلِيَاء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالمحبة لَهُم وَالْإِحْسَان إِلَى الْفُقَرَاء وَمَا يجرى مجْرى هَذِه الْأَخْلَاق الجميلة.
وَاعْلَم يَا أخي أكرمك الله بِطَاعَتِهِ أَنِّي أوصيك بِمَا أوصيك بِهِ وَلَا يعلم أحد أَشد تضييعا لَهَا مني وَأقرب الْخلق إِلَى مَحل الشقاوة من يعظ وَلَا يتعظ ويرضى بِالْخَيرِ وَإِنِّي أسأَل الله تَعَالَى ذكره أَن يزِيل عَنَّا غطاء الْغَفْلَة ويهتك عَنَّا حجب الظنون فأوصيك ولاك الله برعايته أَن تَدْعُو لي بِالتَّوْبَةِ أوقاتك لَعَلَّ الله تَعَالَى يكرمني فِيهَا بمنه أَنه ولي ذَلِك والقادر عَلَيْهِ وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم.
قصيدة استغاثه:
إِلَيْك مددت الْكَفّ فِي كل شدَّة
![]() ومنك وجدتاللطف.من.كل جَانب
![]() وَأَنت ملاذي والأنام بمعزل
![]() هَل مُسْتَحِيل فِي الرَّجَاء كواجب
![]() وَإِنِّي لأرجو مِنْك مَا أَنْت أَهله
![]() وَإِن كنت خطاء كثير المعايب
![]() رجاؤك رَأس المَال عِنْدِي وَربحه
![]() وزهدي فِي الْمَخْلُوق أَسْنَى مَنَاقِب
![]() فحقق رجائي فِيك يَا رب واكفني
![]() شماتة أعدائي وأسوة صَاحب
![]() وَمن أَيْن أخْشَى عدوا وإساءة
![]() وسترك خَلْفي من جَمِيع الجوانب
![]() فيا محسنا فِيمَا مضى أَنْت قَادر
![]() على اللطف فِي حَالي فَحسن عواقب
![]() |
ليست هناك تعليقات