أخر المواضيع

عرض كتاب: "محمد حسين هيكل" أوروبا والشرق من منظور واحد من الليبراليين المصريين (1-2)

بقلم محمود ثروت أبو الفضل

 

 

اسم الكتاب: "محمد حسين هيكل": أوروبا والشرق من منظور واحد من الليبرالين المصريين.

المؤلف: بابر يوهانزن.

ترجمة وتقديم: د. خليل الشيخ.

الطبعة: الأولى.

سنة النشر: 1431هـ/2010م.

دار النشر: هيئة أبوظبي للثقافة والتراث (مشروع كلمة للترجمة).

صفحات الكتاب: 176.

 

منذ أن أُسَر "لويس التاسع" في دمياط في آخر الحملات الصليبية على بلاد المشرق الإسلامي، أدرك الاستعمار الأوروبي صعوبة الغزو الخارجي لمصر، والتغلغل في أراضيها بواسطة هذا الأسلوب، فبحث عن أسلوب جديد أكثر فاعلية وأقل خسائر له؛ فدشن مرحلة استعمارية جديدة تعتمد على الغزو الداخلي للبلاد الإسلامية؛ عن طريق زرع عملاء له من أهل تلك البلاد، يتكلمون بلسان قومهم، ويتقلدون أعلى المناصب الإدارية والسياسية في البلاد؛ لكنهم "غربيُّو" الهوى، تشربوا عشق "باريس" و"لندن"، وأجادوا لبس القبعات "الإفرنجية".. وصاروا يتغنون بعظم الحضارة الغربية وفضلها على العالم، أساتذتهم "روسو" و"ديكارت" و"نيتشه"؛ يمتعضون كلما سمعوا أذانًا أو إقامة، يكادون يسطون بصاحب العمامة، يلعنون كل ما يمت للدين بصلة، مواربةً وصراحةً، ويعلنون في جرأة عجيبة أن ديننا سبب تخلفنا، يطلقون على الدين مسميات منتقاة بعناية من نوعية "الالتصاق بالموروث" و"الرجوع إلى الماضي" و"وهم المقدس".. يقول الأستاذ "محمد جلال كشك" في مؤلفه الهام: "ودخلت الخيل الأزهر":

 

"...كان على الغزوة الاستعمارية الغربية أن تفتت مقاومة أمتنا، بتجريدها من الإسلام. وقد جربت أوروبا إبادة الإسلام بقتل المسلمين في الحروب الصليبية، لكنها اكتشفت فشل هذا الأسلوب. وحاولت مرة أخرى أن تخرج المسلمين من الإسلام بحملات التبشير، هذه الحملات التي لم تكن عدوانا على الإسلام وحده، بل وأيضًا عدوانًا على كنائسنا العربية، ذلك أن المسيحية في المشرق العربي، كانت من دعائم الرفض الوطني للغزو الغربي. فهذه الكنائس هي ثمرة وتجمع تاريخ دامٍ من مقاومة المؤمنين العرب للاستبداد الغربي قبل وبعد ظهور المسيحية في الغرب، وكان أعيان النصارى في المشرق العربي - وفي مصر بالذات - جزءً أساسيًا من القيادة المثقفة للأمة، يتحملون مسئوليهم إلى جانب شيوخ الأزهر، والأعيان والتجار المسلمين، وكتابات الاستعماريين الغربيين والمبشرين الغربيين حافلة بالحقد على الإسلام وكنيستنا القبطية معًا، إلى نهاية القرن التاسع عشر، والمؤرخون الاستعماريون لا يخفون مرارتهم وهم يتحدثون عن فشل جهود مبشريهم في كسب مسلم واحد أو قبطي واحد إلى صفوفهم.

 

لكن التبشير لم ينجح، فكان التغريب: أي دفع المسلمين والمسيحيين، إلى استبعاد الدين من حياتهم وتفكيرهم، وعزل القيادات المثقفة، وتصفية دورها في المجتمع"؛ صـ18، 19.

 

يعد الأديب المصري "محمد حسين هيكل" (1888-1965) من رواد المفكرين العرب في بدايات القرن العشرين، ساهم في الفكر العربي بمؤلفاته وأطروحاته الأدبية، وتصنف روايته "زينب" كأول رواية مصرية صميمة في الأدب العربي، وفي مجال السياسة ساهم "محمد حسين هيكل" في رسم التاريخ السياسي لمصر المعاصرة حيث كان عضوًا في لجنة الثلاثين التي وضعت دستور 1923؛ أول دستور صدر في مصر المستقلة وفقًا لتصريح 28 فبراير 1922م، إلى جانب تمثيله الحزبي عن حزب "الأحرار الدستوريين" المشارك في الحياة السياسية في مصر؛ والذي تولى رئاسته عام 1943م، وقد تم اختياره في أكثر من وزارة كوزير للمعارف، وذلك في الفترة التي سبقت قيام ثورة 1952.

 

أما على الصعيد الفكري فيعد "محمد حسين هيكل" في طليعة التيار الليبرالي الإصلاحي، والذي كان يتلمس طريقه على الساحة المصرية على استحياء، وكان رائد هذه الحركة الليبرالية المصرية الأديب "أحمد لطفي السيد" والذي دخل في صراعات كثيرة مع التيار الديني الأزهري في مصر وقتها في سبيل إرساء أفكار القومية والهوية المصرية والعصرانية الحديثة، والتي نادى بها تلميذه "محمد حسين هيكل" من بعده هو وبقية مفكري مصر المشهورين وقتها من أمثال طه حسين وتوفيق الحكيم وعلي ومصطفى عبدالرازق وآخرين.

 

وتعد هذه الدراسة البحثية للبروفيسور "بابر يوهانزن" أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة "هارفرد" بمثابة وثيقة صارخة فاضحة لمدى انحراف أفكار التيار الليبرالي في مصر من خلال مناقشة التطور التاريخي لفكرة "الليبرالية" من منظور آراء "محمد حسين هيكل"؛ والذي اتخذها تعلة لهدم كل صلة تربط بين الشعب المصري والإسلام، والتبرؤ من هذا التراث الديني عن طريق دس أفكار هجينة دخيلة على المجتمع الشرقي والعربي، ثم سرعان ما تراجع عنها في نهايات حياته وتناقض مع أفكاره بإعلان فشل الديمقراطية الغربية والليبرالية والتي شرب من معينها حتى الثمالة، ودافع عنها في معظم مؤلفاته وأطروحاته، وهذا التراجع يضاف لسلسلة من التراجعات غير المجدية التي انحدر إليها رعيل كبير من المفكرين "المستغربين" في بدايات القرن الذين ظلوا يهاجمون كل ما له صلة بالإسلام ويتبرؤون منه أمام أساتذتهم الغربيين، ثم جاءت هذه التراجعات بمثابة ورقة توت هشة يغطون بها عوراتهم؛ والتي سرعان ما تتقاذفها الرياح بعيدًا بنهاية أعمارهم وتبقى سوأتهم جلية واضحة أمام أعين الأجيال المتأملة في تاريخ الفكر الليبرالي في مصر؛ ويأتي على رأس هؤلاء المتراجعين: طه حسين وتوفيق الحكيم...والقائمة تطول.

 

وهذه الدراسة نشرها "يوهانزن" في منتصف الستينيات من القرن الماضي، في سلسلة "نصوص ودراسات" التي يصدرها المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت عام 1967، وجاءت لتكمل ما بدأه البروفيسور "فرتس شتيبات" في أطروحته والتي كانت بعنوان "القومية والإسلام عند مصطفى كامل".. وعند التأمل في الدراستين سنجد أن كلًا من مصطفى كامل ومحمد حسين هيكل يمثلان رافدين مهمين في تاريخ مصر الحضارية، ويبرز حجم التقابل بين أفكارهما ورؤيتهما السياسية لمستقبل مصر وقتها حجم الصراع الفكري في بدايات القرن الماضي بين تيارين متضادين يمثلان شاهد عنوان الدراسة والذي اختاره "يوهانزن" وهو العلاقة بين "أوروبا" و"الشرق" من خلال رؤية كل تيار؛ سواء كان التيار الأصولي المحافظ أو التيار الليبرالي؛ والذي ظل يبحث طوال تاريخه عن أي محاولات توفيقية بين الإسلام والوطنية قاصدًا بهذا تقريب الصلة مع المفهوم الغربي عن الاستعمار الجديد لدول المشرق العربي عن طريق تلك الأفكار التحررية الزائفة والتي اتضحت فراغها المعنوي من حجم الفساد الذي غلف التاريخ العربي في كافة مجالاته في القرن الحديث.

 

ومؤلف الكتاب "بابر يوهانزن" من مواليد عام 1937م، متخصص في الدراسات العربية والإسلامية إضافة إلى الدراسات الاجتماعية والقانونية، عمل في جامعة برلين الحرة، وأستاذًا زائرًا في جامعة برنستون، ومديرًا للدراسات في المعهد العالي للعلوم الاجتماعية في باريس، وهو يعمل حاليًا أستاذًا زائرًا في جامعة "هارفرد" منذ عام 2005.

 

ومن أبرز دراساته: "جسد الأنثى والإسلام"، "المساجد في التاريخ الإسلامي"، "القوانين الإسلامية للمرأة".

 

وقام بترجمة الكتاب د. "خليل الشيخ"، الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة "فريدريش فيلهلم" بألمانيا عام 1986، وهو أستاذ الدراسات المقارنة في جامعة "اليرموك"، وقد عمل أستاذًا زائرًا في غير جامعة أردنية وعربية.

 

صدر له: "الانتحار في الأدب العربي"، "باريس في الأدب العربي الحديث"، "دوائر المقارنة"، "السيرة والمتخيل".. ومن ترجماته: "هلموت بوتيجر: ما بعد اليوتيوبيات"، و"يوميات كافكا".

 

وصف الكتاب:

وضع الكاتب دراسته في عشرة فصول؛ ترتكز على فكرتين رئيستين: حيث توقف المؤلف في القسم الأول أو الفكرة الأولى عند كتابات هيكل الليبرالية الطابع، وبيّن أبعاد خطابه التحرري الذي كان ينطوي على مشروع تحديثي منذ عودته من دراسته بفرنسا.

 

وتسعى الدراسة في هذه الأثناء إلى تبيان الخيوط المعرفية والجمالية التي صاغت نسيج هذا المشروع.

 

أما القسم الثاني من الكتاب فيرسم انكسار هذا المشروع الليبرالي الذي أدى إلى تصالح هيكل مع الإسلام والتراث العربي، وإن كان ذلك إلى وقت قصير، حيث أن دخوله إلى معترك الحياة السياسية جعله ينكص على عقبيه ويكفر مرة ثانية بالمشروع الإسلامي في مصر مع استبعاد أن يكون الإسلام مشروعًا سياسيًا له مستقبل في مصر، خوفًا من أفول نجمه وقد ظل يدافع عن الليبرالية طيلة نصف قرن من العمل الدؤوب في سبيل نشر الفكرة الليبرالية.

 

وقد سعى يوهانزن لقراءة هيكل في ضوء هذا المنظور، وحاول أن يبيّن مقادر ما تنطوي عليه إسهاماته في هذا المجال من أهمية.

 

وقد قدم المترجم للكتاب بتصدير شرح فيه الخط الرئيسي لدراسة المؤلف، ووضح فيه مقدمات رئيسة قبل الدخول في موضوع الدراسة عن الصراع بين التيارين الإسلامي والليبرالي؛ بدايات القرن، وذلك ضمن المعارك السياسية التي كانت تغلف الحياة الاجتماعية في مصر وقت الاستعمار البريطاني؛ والذي كان يجد بغيته - من صراع كل من التيارين - في توطيد سلطته داخل مصر وغيرها من بلاد الشرق، مع نشر الأفكار الغربية وتنحية المرجعية الإسلامية جانبًا في سبيل تمجيد الحضارة الغربية ومنجزاتها العصرية الحديثة، يقول المترجم في مقدمة الكتاب "لقد سعى بابر يوهانزن إلى دراسة ذلك كله، ضمن منظور تحليلي يدرس كتابات هيكل بوصفها خطابًا موحدًا، وإن كان يدرك الفروقات بين مستويات هذا الخطاب، ويعي التحولات والأزمات التي عرفها خطاب هيكل الفكري عمومًا"؛ صـ8.

 

ويقول أيضًا: "يتكون هدا الكتاب من عشرة فصول ترسم في مجموعها خطاب هيكل الأدبي والفكري. وتتبع مصادر هذا الخطاب الذي يتوزع على حقول معرفية مختلفة. وتسعى لتبيان ما طرأ على خطاب هيكل من تحولات".

 

وجاءت عناوين فصول الكتاب على النحو التالي:

- الفصل الأول: المجتمع الجامد.

 - الفصل الثاني: أوروبا والتقدم.

 - الفصل الثالث: غيبوبة المجتمع الجامد.

 - الفصل الرابع: القومية الليبرالية والثورة.

 - الفصل الخامس: الإسلام والقومية.

 - الفصل السادس: القومية الثقافية وأوروبا.

 - الفصل السابع: أوروبا المخيبة للآمال!

 - الفصل الثامن: الإسلام المنطلق الجديد.

 - الفصل التاسع: صعود سياسي وآمال جديدة.

 - الفصل العاشر: الاستقالة.

 

ويناقش الكاتب في دراسته روايتي "محمد حسين هيكل": "زينب" و"هكذا خلقت"؛ والتي كتبهما في فترتين متباينتين من حياته، فالأولى كتبها في مقتبل عمره، والأخرى كتبها كختام لحياته الفكرية ومشواره السياسي، حيث يرى الكاتب أنه مثلما كانت "زينب" تمثل الوجه الأدبي لمشروع هيكل الفكري التحديثي، فإن بطلة روايته الأخيرة تمثل ما انتهى إليه هيكل في حياته بعد تقلباته الكثيرة وتخلّيه عن الامتداد باتجاه الفكر الغربي؛ لصالح العودة إلى رحاب الرؤية الإسلامية، في سبيل امتثال السكينة الإيمانية وراحة القلب!


ليست هناك تعليقات